عندما هتف الصحفيون "راؤول" .."راؤول" !!
Tue, 7-06-2011 - 1:14Tue, 2011-06-07 13:14
* طارق الشناوي
عدت إلى القاهرة بعد رحلة استغرقت 15 يوماً قضيتها في "كان" ما بين قاعات العروض والمركز الصحفي حيث صار يصاحبني دائماً "اللاب توب" بعد أن قلت وداعاً للقلم والورقة.. ما أحلى الرجوع إليه أقصد إلى مهرجان "كان" هذه هي الدورة رقم "64" من عمر المهرجان وهى الدورة رقم 20 بالنسبة لي التي أحضر فيها فعاليات هذا المهرجان الذي يعتبر هو المهرجان الأشهر على مستوى العالم أجمع!!
المهرجانات تتلاحق وأنا أترك نفسي نهباً لها فاتحاً دائماً ذراعي لإرادتها.. جداولها هي جداول حياتي.. أصحو طبقاً لعرض أول فيلم وأنام بعد مشاهدة الفيلم الأخير.. مواعيد المهرجانات هي دستوري الدائم الذي لا أستطيع أن أخالفه مهما كانت الأسباب!!
أستقل قبل أن يبدأ المهرجان بأربعة وعشرين ساعة الطائرة الفرنسية "آيرباص" المتجهة إلى باريس ومنها انتقل إلى طائرة صغيرة متجهة إلى مدينة "نيس" ثم أتوبيس إلى "كان" وأصعد إلى غرفتي المتواضعة التي أقطن بها على مدى 10 سنوا ت.. الفندق ليس له من النجوم سوى اثنتين فقط لا غير الغرفة تحتوى فقط على سرير ومنضدة ودولاب وثلاجة وكرسي.. وملحق بها حمام لا يسمح بالاستحمام إلا فقط واقفاً.. منذ عام 1992 لم أتخلف دورة واحدة عن حضور مهرجان "كان" رغم ما أتكبده من نفقات يزداد معدلها عاماً بعد عام بسبب قوة "اليورو" أمام ضعف الجنيه المصري وهوانه على كل العملات الأجنبية.
أتابع في المهرجانات الأفلام والندوات وأيضاً الوجوه.. وجوه البشر وأرى كيف يرسم الزمن بصماته التي لا تمحى على وجوه زملائي وأقول من المؤكد أنهم يشاهدون الزمن وهو ينطق بل يصرخ على ملامحي ولكني أطمئن نفسي قائلاً ربما يكون الزمن كريماً معي أو بتعبير أدق أظن ذلك وأرجو ألا يخيب ظني.. أرى شحاذة في مدينة "كان" منذ 20 عاماً وهي تحمل طفل عمره عام وبعد مرور 19 عاماً لا يزال الطفل في عامه الأول إنها تذكرني بالشحاذين في بلادي عندما يؤجرون طفلاً رضيعاً ويظل للأبد رضيعاً.. أرى القاعات والأشخاص حتى الذين لا أعرفهم شخصياً فأنا أراهم باعتبارهم من ملامح حياتي.. في مهرجان "كان" استمع إلى هتاف يسبق عرض أي فيلم ويتردد اسم "راؤول" ناقد فرنسي راحل تعود أن ينطق بصوت مسموع باسمه قبل عرض الأفلام وبعد رحيله بأكثر من 20 عاماً لا يزال زملائه القدامى يهتفون بمجرد إطفاء نور القاعة قبل العرض "راؤول".
في المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل تفاصيلها لكننا لا نكتب عن أنفسنا وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب لتغطية المهرجانات.. إننا بشر وأعترف لكم أن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هي تلك التي نجد أنفسنا مضطرون لحضورها في المهرجانات.. لأننا متخمون بكثرة الأفلام التي تتدفق علينا في اليوم الواحد قد يصل كم المشاهدات أحياناً إلى خمسة أفلام.. هل هذه عدالة؟! بالطبع لا نحن نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام.. لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغي أن تعايشه ليشاهدك الفيلم ويتعايش معك ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر.. ثم بعد أن نعود من السفر ينبغي أن تستعيد نفسك قليلاً قبل أن تشد الرحال إلى مدينة أخرى ومهرجان آخر ووجوه تلتقي بها كثيراً ووجوه تشاهدها لأول مرة.. أسعد بالأيام وأشعر بالشجن على الزمن الذي يسرق من بين أيدينا.. نعم المهرجان يعني عيد وفرحة وبهجة وهو بالنسبة لي يحقق كل ذلك إلا أنه أيضاً يخصم من أعمارنا زمن.. أشعر بمرارة الأيام والسنوات المسروقة.. يقول "عبد الوهاب" أنا من ضيع في الأوهام عمره.. أما أنا فأقول أنا من ضيع في المهرجانات عمره.. ولا أجد فارقاً كبيراً بين الأوهام والمهرجانات.. اليوم في "كان" وبعد أسابيع انتقل ربما إلى بيروت أو الدوحة أو دبي أو وهران ولا تزال المهرجانات تواصل سرقة أعمارنا ولا يزال يتردد في أعماقي هتاف النقاد والصحفيين في "كان".. راؤول راؤول!![/size]