عندما اتجهت إلى التأليف المسرحي.. لم تكن عندي دراية واضحة بفنون الكتابة المسرحية.. وكان مزاجي أن أكتب المسرحيات الكوميدية.. وكتبت وظهرت مسرحيات على المسرح وعلى الشاشة.
ووجدت أن مزاجي يميل إلى السخرية.. بل هو أقرب إلى الواقع الحديث.. فنحن في عصر المتناقضات.. عصر الانهيارات المذهبية.. عصر الانحلال الحضاري.. فالإنسان هو الذي يدعو إلى السخرية.. إنه لا يصدق نفسه من نفسه.. وهو في كل الأحوال يبعث على الإعجاب: فهو يكذب ببراعة ويصدق بعبقرية.. وهو يخترع وسائل الدمار بذكاء.. ووسائل العلاج والحياة بإصرار.. فكيف لا نضحك من زماننا.. من أنفسنا؟!
وقبل أن ألتقي بمؤلف مسرحي واحد قابلت الأديبين دورينمات وفريش.. زرتهما في سويسرا.
وأناس عظماء لقيتهم لحظات.. بعضهم كان عميقا.. وكذلك عدد من الجميلات!
فعندما رأيت مارلين مونرو في هوليوود.. وبعد ساعة من الانتظار قالت لي: إزيك يا أنت!
وهي لا تعرف من أنا.. ولا من هو أي أحد.. فهي جميلة فقط!
ويوم انتحرت مارلين مونرو كتبت عنها.. وبكيت أيضا.. فقد رأيت فيها نموذجا معذبا للعذاب الإنساني.. كيف يكون الجمال نقمة.. كيف يكون اليتيم مسكينا.. كيف هي تجارة الرقيق الأبيض؟!
ويوم تزوجها الأديب آرثر ميللر.. كرهت هذا الرجل.. ويوم ترجمت له مسرحية «بعد السقوط» التي بها صفحات عن مارلين مونرو.. ازددت كراهية له.
وبقيت مارلين مونرو صورة جميلة ذهبية بارقة لامعة أمام عيني.. وهي وغيرها من الشقراوات.. طريقي إلى دراسة طويلة عن عذاب الجمال أو جمال العذاب.. ولم أنسها ولا تركت كتابا واحدا ظهر عنها.. حتى تجمع لدي مائة كتاب!
وعندما زرت الأديب السويسري ماكس فريش في البيت الذي يسكنه عند سفح أحد الجبال.. سألته سؤالا تقليديا: كيف حال صحتك؟!
أجاب إجابة غير مألوفة: أنا في صحة جيدة جدا.. وكأنه لم يقل شيئا غير عادي.. فمضى يشرح ذلك: أنا أعمل ثلاثة أشهر في السنة.. وأسافر وأتجول بقية السنة.. وأسكن هنا.. وقد اخترت الارتفاع النموذجي.. فالبيت يقع على مستوى 180 مترا من سطح البحر.. والهواء أكثره أكسجين.. ودرجات الحرارة معتدلة.. وقوة الجذب على هذه المنطقة معقولة تناسب وزني وسني.
إذن هناك درجة حرارة وارتفاع وأكسجين وجاذبية لا بد أن تكون مناسبة للعقل.. وعلى الأديب أو المفكر أن يختارها.. ولم أكن أعرف ذلك!